اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تولي الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، بعد أن أودى الهجوم العسكري الإسرائيلي بحياة عشرات الآلاف خلال الأشهر الـ16 الماضية. ويأتي هذا المقترح بعد اقتراح سابق بترحيل الفلسطينيين من القطاع بشكل دائم.
انتقادات واسعة لمقترح ترامب
لقيت تصريحات ترامب رفضاً واسعاً من قبل القادة الفلسطينيين والعرب، الذين استنكروا دعواته السابقة لنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، معتبرين ذلك اقتراحاً بالتطهير العرقي. كما أثار اقتراحه الجديد انتقادات دولية واسعة النطاق.
ماذا قال ترامب؟
صرّح ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلاً:
“ستتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعملنا هناك أيضاً. سنتولى مسؤولية تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة، وإزالة المباني المدمرة، وتطوير القطاع اقتصاديًا لتوفير وظائف ومساكن لسكان المنطقة.”
مصير سكان غزة؟
أكد ترامب أن واشنطن ستطلب من دول مجاورة استقبال النازحين الفلسطينيين من غزة، مشيراً إلى أن هناك “دولاً مهتمة بذلك”. لكنه لم يحدد تفاصيل حول هذه الدول، خاصة بعد الرفض المصري والأردني القاطع لفكرة استقبال فلسطينيين نازحين من القطاع.
مصر ترفض الضغوط الأمريكية
أفادت تقارير أن مسؤولين أمريكيين أبلغوا البيت الأبيض بأن مصر لن توافق على استقبال الفلسطينيين، رغم الضغوط المتزايدة. كما حذّر دبلوماسيون أمريكيون من أن الضغط على القاهرة قد يزعزع استقرارها، إلا أن إدارة ترامب لم تبدِ اهتماماً بهذه التحذيرات.
ترامب: “غزة قطعة عقارية جيدة”
بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فقد أخبر ترامب نتنياهو في مكالمة هاتفية أن “غزة قطعة عقارية جيدة”، وطلب منه التفكير في الفنادق التي يمكن بناؤها هناك، مما أثار ذهول حتى أقرب مؤيديه في المجتمع اليهودي.
هل سترسل أمريكا قوات إلى غزة؟
عند سؤاله عن إمكانية نشر قوات أمريكية في غزة لتنفيذ خطته، قال ترامب:
“سنفعل ما هو ضروري. إذا كان ذلك ضرورياً، فسنفعل ذلك. سنستولي على هذه القطعة، ونطورها، وستكون شيئاً يمكن للشرق الأوسط أن يفخر به.”
هل يدعم ترامب حل الدولتين؟
دعمت الولايات المتحدة لعقود حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين والذي من شأنه أن ينشئ دولة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة إلى جانب إسرائيل. سُئل ترامب عما إذا كانت واشنطن في عهده لم تعد تدعم ذلك.
وقال ترامب دون الإجابة مباشرة على السؤال: “هذا لا يعني أي شيء عن دولتين أو دولة واحدة أو أي دولة أخرى، وإنما يعني أننا نريد أن نمنح الناس فرصة للحياة … لأن قطاع غزة كان حفرة جحيم للأشخاص الذين يعيشون هناك”.
من سيعيش في غزة بموجب خطة ترامب؟
قال ترامب عندما سُئل عمن يتصور أن يعيش في غزة “أتصور أن يعيش هناك شعوب العالم، شعوب العالم”.
وأضاف دون الخوض في التفاصيل: “الفلسطينيون أيضاً، سيعيش الفلسطينيون هناك، سيعيش الكثير من الناس هناك”.
ما هي أبرز ردود الفعل على تصريحات ترامب؟
أثار إعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى ردود فعل حادة.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن الشعب الفلسطيني لن يسمح لأي دولة في العالم باحتلال أرضه أو فرض الوصاية عليه.
ووصفت حماس في بيان تصريحات ترامب بأنها “عدائية لشعبنا ولن تخدم الاستقرار في المنطقة وستصب الزيت على النار”، داعية الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة “للانعقاد فوراً واتخاذ موقف حازم وتاريخي”.
ووصف القيادي في حماس، سامي أبو زهري، دعوة سكان غزة للمغادرة بأنها “طرد من أرضهم”.
وقال: “نعتبرها وصفة لإنتاج الفوضى والتوتر في المنطقة، لأن أهل غزة لن يسمحوا بتمرير هذه المخططات”.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية: “تؤكد وزارة الخارجية أن موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال”.
ودولياً، أعلنت الصين معارضتها خطة ترامب للاستيلاء على غزة وتهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى.
وأكد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي على موقف بلاده “الداعم لحل الدولتين”.
وكتبت عضو مجلس النواب الديمقراطية والفلسطينية الأمريكية، رشيدة طليب:”الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان. لا يستطيع هذا الرئيس إلا أن يبث هذا الهراء المتعصب بسبب الدعم الحزبي في الكونغرس لتمويل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. لقد حان الوقت لرفاقي في دعم حل الدولتين أن يُعلوا صوتهم”.
وقال السناتور الديمقراطي الأمريكي، كريس فان هولن:”اقتراح ترامب بطرد مليوني فلسطيني من غزة والاستيلاء على “الملكية” بالقوة، إذا لزم الأمر، هو ببساطة تطهير عرقي تحت مسمى آخر. هذا الإعلان من شأنه أن يعطي ذخيرة لإيران وغيرها من الخصوم في حين يقوض شركائنا العرب في المنطقة”.
وأضاف هولن:”إنه يتحدى الدعم الأمريكي الحزبي على مدى عقود لحل الدولتين. …. يجب على الكونغرس أن يقف في وجه هذا المخطط الخطير والمتهور.”
أما مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) فأكد على أن “غزة ملك للشعب الفلسطيني، وليس للولايات المتحدة، ودعوة الرئيس ترامب لطرد الفلسطينيين من أرضهم هي دعوة غير مقبولة على الإطلاق”
وأضاف كير في بيان:”إذا ما طُرد الشعب الفلسطيني قسراً من غزة، فإن هذه الجريمة ضد الإنسانية من شأنها أن تشعل صراعاً واسع النطاق، وتدق المسمار الأخير في نعش القانون الدولي، وتدمر ما تبقى من صورة أمتنا ومكانتها الدولية”.
ماذا يعني مقترح ترامب؟
يتسق مع طموحاته التوسعية: ربما يبدو تصريح ترامب الذي أثار الذهول بأنه يرغب في أن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة وتعيد بناءه مباغتاً ودون أي مقدمات، لكنه في الواقع متسق مع الطموحات التوسعية لإدارته الجديدة، وفق تقرير لوكالة رويترز.
فمنذ عودة ترامب للبيت الأبيض قبل ما يزيد قليلاً عن أسبوعين، بدا أن نهجه الذي يحمل شعار “أمريكا أولاً” تطور ليصبح “أمريكا أكبر” مع تركيز الرئيس على السيطرة على أراض جديدة، من بينها قناة بنما وغرينلاند، حتى بعد أن تعهد خلال حملته الانتخابية بإبقاء البلاد بعيداً عن التشابكات الخارجية و”الحروب التي لا تنتهي”.
حل الدولتين: من خلال اقتراحه بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، أدخل ترامب إدارته مباشرة في واحدة من أكثر نقاط الاشتعال حساسية في الشرق الأوسط.
ولسنوات، في ظل رؤساء من كلا الحزبين الرئيسيين، دعمت الولايات المتحدة فكرة “حل الدولتين” حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنباً إلى جنب في سلام.
وفي يوم واحد، تخلى ترامب عن هذه الفكرة، واستبدلها بفكرة مختلفة تماماً، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
واعتبر تقرير لوكالة رويترز أن اقتراح ترامب يستبعد فكرة حل الدولتين لصالح نهج جديد إلى حد ما يتضمن احتمال قيام الولايات المتحدة بدور حاجز الحماية في المنطقة.
ومن المتوقع أن يعارض حلفاء ترامب وخصومه على حد سواء بشدة أي استيلاء أمريكي على غزة. فتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر هناك من شأنه أن يتعارض مع السياسة القديمة في واشنطن ومعظم المجتمع الدولي، والتي تعتبر أن غزة ستكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تشمل الضفة الغربية المحتلة.
التزاماً عسكرياً أمريكياً طويل الأمد: رأى مسئولون أمريكيون سابقون أن مقترح ترامب يعني التزاماً عسكرياً أمريكياً طويل الأمد.
ونقلت وكالة رويترز عن جوناثان بانيكوف، النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية الأمريكية للشرق الأدنى، أن خطة ترامب تعني التزاماً عسكرياً أمريكياً طويل الأمد، وإذا وجدت طريقها إلى التنفيذ فسوف ينظر إليها العالم العربي على أن واشنطن “لم تتعلم الدروس من بناء الأمة في العراق وأفغانستان”.
طوق نجاة سياسي لنتنياهو:
يمثل مقترح ترامب بالسيطرة على غزة أيضاً طوق نجاة سياسي لنتنياهو، بحسب تقرير لصحيفة التايمز البريطانية.
ويواجه نتنياهو، الذي يزور واشنطن في مهمة دبلوماسية تستغرق أسبوعاً، تهديدات داخلية من أعضاء اليمين المتطرف في حكومته بالانسحاب من الائتلاف الذي يدعم حكومته إذا انتهت الحرب مع بقاء حماس في السلطة في غزة.
وقالت التايمز: “إن خطة ترامب لإجبار سكان المنطقة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة على المغادرة ليس لديها فرصة كبيرة لتتحقق، ولكنها تمنح نتنياهو إمكانية طرح الفكرة أمام أعضاء حكومته”.