في خطوة مفاجئة تعكس تحولًا استراتيجيًا، دفعت السعودية تحالف أوبك+ إلى اعتماد زيادة كبيرة في إنتاج النفط، وذلك ردًا على تجاوزات بعض الدول الأعضاء لحصص الخفض المتفق عليها، وعلى رأسها قازاخستان والعراق، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر مطلعة على المباحثات.
وتأتي هذه الزيادة في وقت تراجعت فيه أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2021، ما دفع المملكة إلى إعادة النظر في سياسة خفض الإنتاج التي دافعت عنها لسنوات، خصوصًا أن موازنة السعودية تعتمد على سعر يقارب 90 دولارًا للبرميل.
وبحسب القرار الجديد، سيرفع التحالف إنتاجه بنحو 411 ألف برميل يوميًا بدءًا من مايو المقبل، أي ما يعادل 0.4% من الإمدادات العالمية، وهو رقم يفوق بثلاثة أضعاف الزيادة التي أُعلنت الشهر الماضي، والبالغة 130 ألف برميل يوميًا لشهر أبريل.
ويبدو أن هذه الخطوة التصعيدية جاءت بعدما أخفقت الزيادة المتواضعة السابقة في ردع الدول غير الملتزمة، لتبعث الرياض برسالة قوية بأنها لن تتهاون مع التجاوزات.
رسالة سعودية صارمة: الانضباط أولًا
مصادر مطلعة أكدت أن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، وجه رسالة حاسمة إلى أعضاء التحالف، مفادها أن أي تجاوز جديد للحصص سيُقابل بمزيد من الزيادات في الإنتاج.
ورغم نفي المسؤولين وجود نية لشن “حرب أسعار”، إلا أن التحرك يعيد إلى الأذهان أزمات السوق في 2014 و2020، حين استخدم خفض الأسعار كسلاح لإعادة ضبط السوق.
خلفيات سياسية تلوح في الأفق
وبحسب تقارير “رويترز”، فإن القرار لا يقتصر فقط على اعتبارات السوق، بل تحركه أيضًا حسابات جيوسياسية. وذكرت المصادر أن هناك تقاربًا محتملًا مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يضغط بقوة من أجل خفض أسعار النفط.
ويتزامن ذلك مع محاولات واشنطن لتصفير صادرات النفط الإيراني للضغط على طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن ملفها النووي، إلى جانب محادثات السلام الجارية بشأن الحرب في أوكرانيا، وزيارة مرتقبة للرئيس الأميركي إلى السعودية خلال الأسابيع المقبلة.
وفي تصعيد تجاري واضح، فرضت الولايات المتحدة مؤخرًا رسومًا جمركية على واردات النفط، بلغت 10% على السعودية والإمارات، وارتفعت إلى 39% و27% على واردات قازاخستان والعراق، على التوالي.
السوق تحت الضغط وواشنطن تراقب
تسببت الأنباء حول الزيادة في دفع أسعار النفط للهبوط بنسبة 8% يوم الجمعة، لتتراجع إلى ما دون 65 دولارًا للبرميل، وسط مخاوف من تدهور أكبر بفعل الرسوم الأميركية ورد الفعل الصيني.
ورغم هذا الانخفاض، تتوقع مصادر داخل أوبك+ استمرار زيادة الإنتاج حتى في حال تراجع الأسعار إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل، ما يعكس جدية المملكة في فرض الانضباط داخل صفوف التحالف.
وفي هذا السياق، توقعت حليمة كروفت، كبيرة محللي الطاقة في مؤسسة RBC، أن يرحب ترامب بالأسعار المنخفضة، لكنها حذرت من أن استمرار التراجع قد يُربك شركات النفط الأميركية، وسط التزامات غير مستقرة من أوبك تجاه دعم الأسعار.
ومن المقرر أن يعقد وزراء أوبك+ اجتماعًا فنيًا اليوم السبت، يليه اجتماع رسمي أوائل مايو لمراجعة السياسات الإنتاجية في ظل هذه التطورات المتسارعة.