بوابة الاخبار – العمانية
تشهد الحصبة، المرض الفيروسي الشديد العدوى عودة مقلقة على مستوى العالم بعد سنوات من التراجع بفضل حملات التلقيح الموسعة لكن انهيار أنظمة الصحة في بعض المناطق وتراجع معدلات التطعيم، وانتشار المعلومات المضللة كلها عوامل أسهمت في تفشي المرض مجددًا، ما دفع منظمات الصحة العالمية والأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر.
وفي أحدث بيانات مشتركة بين منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) حيث تم تسجيل أكثر من 10.3 مليون إصابة بالحصبة خلال عام 2023 أي بزيادة تصل إلى 20% مقارنة بالسنة السابقة إلى جانب 136,000 حالة وفاة معظمها لأطفال دون سن الخامسة.
وقالت اليونيسف في تقرير نشرته على موقعها الرسمي إن “نحو ثلاثة أرباع الأطفال في العالم يعيشون في دول تشهد تفشّ نشط للمرض، محذرة من أن هذا الارتفاع يعد الأسوأ منذ أكثر من عقدين”، ويشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة الملايين خاصة في الدول التي تفتقر إلى أنظمة صحية متينة.
وفي أوروبا تسجل الأرقام مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من 25 عامًا حيث أحصت منظمة الصحة العالمية أكثر من 127 ألف حالة إصابة في 53 دولة أوروبية خلال عام 2024 فقط مقارنة بـ 60 ألف حالة عام 2023، وتوفي ما لا يقل عن 38 شخصًا حتى مارس 2025 بينما تطلبت نصف الحالات تقريبًا دخول المستشفى.
وتركزت معظم الإصابات في رومانيا (أكثر من 30 ألف حالة) وكازاخستان (نحو 28 ألف حالة) مع تسجيل حالات متعددة في جميع أنحاء الإقليم الأوروبي خاصة في أوساط الأطفال غير الملقحين.
أما في الأمريكيتين فقد شهدت المنطقة قفزة حادة في أعداد الإصابات إذ تم تسجيل 2,318 حالة حتى منتصف أبريل 2025، بينها 3 وفيات مؤكدة مقارنة بـ 210 حالات فقط في الفترة نفسها من عام 2024، وأشارت منظمة الصحة للبلدان الأمريكية (PAHO) إلى أن أغلب الحالات سُجّلت لدى أطفال لم يتلقوا اللقاح، أو كانت حالتهم التطعيمية غير معروفة.
وفي الولايات المتحدة تجاوز عدد حالات الحصبة منذ بداية عام 2025م حتى يوليو الجاري 1,277 حالة مؤكدة وهي الأرقام الأعلى منذ عام 1992م بحسب مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، وأدى تفشي المرض في ولاية تكساس إلى وفاة طفل في حين تم تسجيل عشرات الحالات الأخرى في ولايات مثل نيو مكسيكو وأركنساس وفلوريدا.
وتشير البيانات إلى أن 27 بؤرة تفشٍ منفصلة قد ظهرت هذا العام معظمها ناتج عن عدوى وافدة من دول أخرى تفاقمت بسبب رفض بعض المجتمعات المحلية تلقي التطعيمات الروتينية.
وعزا خبراء الصحة التفشي الواسع لمرض الحصبة إلى مجموعة من العوامل المتراكمة التي أسهمت مجتمعة في خلق بيئة مواتية لانتشار الفيروس من جديد، ومن أبرز هذه العوامل تراجع معدلات التلقيح منذ جائحة كوفيد-19 حيث شهد العالم انخفاضًا ملحوظًا في نسبة الأطفال الذين تلقوا الجرعتين الضروريتين من لقاح الحصبة مما فتح الباب أمام الفيروس للعودة والانتشار، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 22 مليون طفل لم يتلقوا حتى الجرعة الأولى من اللقاح في عام 2023م، كما لعبت المعلومات المضللة دورًا كبيرًا في انتشار الشائعات والمخاوف غير المبنيّة على أسس علميّة حول مخاطر اللقاحات في زيادة التردد المجتمعي تجاه التطعيم حتى في الدول ذات الأنظمة الصحية المتقدمة، من جهة أخرى أدت النزاعات المسلحة والكوارث الإنسانية كما هو الحال في أوكرانيا، والسودان، والصومال، وإثيوبيا إلى تعطيل برامج التحصين، ما حرم ملايين الأطفال من اللقاحات الأساسية، إضافة إلى ذلك لا تزال بعض الدول تعاني من ضعف في أنظمة الرصد والتبليغ مما يعيق قدرتها على اكتشاف التفشي مبكرًا والاستجابة له بفعالية.
وتحث منظمة الصحة العالمية جميع الدول على اتخاذ إجراءات فورية وسريعة تتضمن استعادة معدلات التغطية باللقاح إلى مستوى 95% لضمان “مناعة القطيع” وتنفيذ حملات تطعيم وطنية ومجتمعية لاستهداف الأطفال غير المحصنين، ومكافحة المعلومات المضللة وبناء ثقة المجتمعات في اللقاحات، وتقوية أنظمة الرصد والإبلاغ الصحي لضمان التدخل السريع.
وأكدت الدكتورة ناتاليا ستويانوفيتش من مكتب أوروبا في منظمة الصحة العالمية أن “الحصبة لم تعد مجرد مرض من الماضي إذا لم نتحرك الآن فإننا نخاطر بفقدان المكاسب الصحية التي حققناها على مدى عقود”.
ويعد لقاح الحصبة من أكثر اللقاحات فعالية حيث يوفر حماية بنسبة 97 بالمائة عند تلقي الجرعتين الأساسيتين ومع ذلك فإن غياب هذا اللقاح عن ملايين الأطفال حول العالم خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو التي تفتقر إلى الثقة في الأنظمة الصحية، يُعيد مرض الحصبة إلى الواجهة مهددًا حياة الأبرياء من الأطفال الذين حرموا من حقهم في الوقاية.