بينما تتجه الأنظار نحو بطل الدوري الإسباني كوجهة محتملة للمدافع، يبقى التساؤل: هل يجب على آرنولد إعادة التفكير في قراره بالرحيل إلى إسبانيا؟
لطالما كان يُنظر إلى ترنت ألكساندر آرنولد على أنه “الفتى الذهبي” القادم، ومع اقتراب نهاية عقده مع ليفربول هذا الصيف، تصاعدت التكهنات حول انتقاله المحتمل إلى ريال مدريد.
فكرة الانضمام إلى صفوف “لوس بلانكوس” المتلألئة، والثروات الطائلة التي تنتظره، وأن يصبح “جالاكتيكو” جديدًا، بدت وكأنها مسألة وقت لا أكثر.
لكن، ومع تصاعد حدة التوتر في ميرسيسايد وتراجع مستوى ريال مدريد في الشهر الأخير، لم تعد فكرة استبدال القميص الأحمر بالأبيض تبدو مغرية كما كانت.
فمشاعر الفرح الغامر التي انتابت ألكساندر آرنولد بهدفه الحاسم ضد ليستر سيتي في طريقه نحو لقب الدوري الإنجليزي وصورة قميصه المعلق على علم الركن أمام المدرج الضيف، تحمل ألف معنى.
إذًا، يبرز السؤال الأهم: لماذا يجب أن تكون هذه هي النهاية؟ هل يمكن لألكساندر آرنولد حقًا تجاهل جاذبية ريال مدريد؟
هل يُقدم على الخطوة الصحيحة؟ ليفربول أكثر تهيئًا لبناء حقبة من النجاح
من الصعب فصل قضية عقد ألكساندر آرنولد عن وضع عقدي محمد صلاح وفيرجيل فان ديك لأسباب عديدة، فلم يقتصر الأمر على أن ليفربول واجه خطر ترك مستقبل هؤلاء النجوم معلقًا، بل إن الثلاثي كانوا أساسًا لفريق واحد منذ عام 2016، إنهم يمثلون القلب النابض لواحدة من أكثر المؤسسات الرياضية رسوخًا في العالم.
لكن ما يميز الوضع هو اختلاف أعمارهم، فبينما لا يزال صلاح وفان ديك يقدمان مستويات مبهرة ويصنفان ضمن الأفضل في العالم، فمن شبه المؤكد أنهما سيبدآن في التراجع خلال فترة عقديهما الجديدين.
أما ألكساندر آرنولد، فهو على أعتاب أفضل سنوات مسيرته، ومن الطبيعي أن يرغب في امتلاك حرية تحديد وجهة هذه السنوات.
لا شك أن ولاء صلاح وفان ديك لليفربول كان دافعًا قويًا لتجديد عقديهما، ولكن معرفة أنهما سيظلان ينافسان على أهم الألقاب لا تقل أهمية.
وقد صرح آرني سلوت بالفعل بإمكانية إجراء تعاقدات صيفية وأن مشروعه سيكون جذابًا للاعبين الطموحين مع قدرة النادي على الاحتفاظ بنجومه الحاليين.
رغم أن المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي تبدو صعبة، فإن ليفربول أظهر تقدمًا ملحوظًا في موسم كان يُتوقع أن يشهد تراجعًا في مستواه.
لقد انتقل الفريق بسلاسة من حقبة يورجن كلوب المفعمة بالشغف والمرونة إلى حقبة أكثر انضباطًا وتكتيكًا تحت قيادة سلوت.
ذا كانت هذه مجرد البداية، فمن المتوقع أن يتهافت اللاعبون للانضمام إلى هذا المشروع الواعد.
تراجع بريق ريال مدريد
لا يزال ريال مدريد يمثل قمة الطموح لأي لاعب، لكن بريقه بدأ يخفت مؤخرًا، فقد حقق آرسنال فوزًا مستحقًا بنتيجة 5-1 في مجموع مباراتي ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، ليكشف عن نقاط الضعف في دفاع “لوس بلانكوس”.
لا شك أن لاعبي “المدفعجية” تفاجأوا بالسهولة التي تمكنوا بها من اختراق دفاع حامل اللقب الأوروبي، وسرعان ما تلاشى أي مظهر للتنظيم في أداء الفريق الإسباني، وبدا الأمر وكأنه تجمع لنجوم فرديين، وبدا كيليان مبابي وجود بيلينجهام وفينيسيوس جونيور ورودريجو تائهين في الملعب.
ربما كان تيبو كورتوا هو الأوضح عندما أشار إلى افتقاد ريال مدريد للاعب مثل خوسيلو، رأس حربة تقليدي.
هذا هو النوع من اللاعبين الذي كان يعتمد عليه ريال مدريد في الماضي، سواء كان المهاجم الإسباني المخضرم أو كريم بنزيما أو كريستيانو رونالدو، ومع ذلك، لا يبدو أن هناك رغبة حقيقية في التعاقد مع مهاجم من هذا الطراز.
وبعيدًا عن ألكساندر آرنولد، تشير التقارير إلى أن ريال مدريد يبحث عن تعزيزات في قلب الدفاع، مع ربط أسماء مثل ويليام ساليبا وجوناثان تاه ودين هويسن بالانتقال لهم، هذا جيد، فهم بحاجة إلى تدعيم الخط الخلفي، لكنهم سيواجهون نفس المشاكل في الخط الأمامي.
صعوبة الإعلام الإسباني
يكفي الاستماع إلى شهادات بيب جوارديولا وجوزيه مورينيو لفهم مدى قسوة الإعلام الإسباني، فما يحدث في إنجلترا يبدو ضئيلاً مقارنة بالآلة الإعلامية في إسبانيا.
أكد جوارديولا قائلاً: “لا يمكننا مقارنة الضغط الذي نتعرض له في إنجلترا بالضغط الذي نتعرض له في إسبانيا، حسب خبرتي، الأمر أصعب ألف مرة هناك”.
وبدوره، كان مورينيو أكثر صراحة: “إذا أردت المقارنة بين الإعلام الإيطالي والإسباني أو البرتغالي، يمكنك ذلك، لكن في إنجلترا الأمر مختلف تمامًا… الصحافة الإنجليزية رائعة”.
قد تبدو دوافع انتقال ألكساندر آرنولد إلى مدريد واضحة ومنطقية، لكن يكفي أن تسأل أي لاعب من “الجالاكتيكوس” في الماضي أو الحاضر ليخبرك كيف يمكن أن يتحول البطل إلى منبوذ بسرعة.
في أفضل حالاته، يعد ألكساندر آرنولد أحد أكثر اللاعبين أناقة وإبداعًا في كرة القدم، ولم يسبق أن رأينا ظهيرًا أيمن يؤدي دور صانع الألعاب كما يفعل هو.
هذا ما يجعله صفقة مغرية لمدريد، على الرغم من أن نقاط ضعفه قد تثير جنونهم، فبينما يعتبر ألكساندر آرنولد مدافعًا جيدًا، فإن عمله الدفاعي دون الكرة يترك مجالًا للنقد على الرغم من تطوره البدني ومستواه العام.
أداء مثل أدائه خارج أرضه أمام مانشستر سيتي في فبراير، والذي شهد تحقيقه رقمًا قياسيًا سلبيًا في عدد مرات مراوغة المنافسين له في مباراة واحدة بالدوري الإنجليزي لن يمر مرور الكرام في إسبانيا.
لا يُنظر إليه حتى كوريث لكارباخال
هناك نقطة أخرى مثيرة للقلق في صفقة انتقال ألكساندر آرنولد المحتملة، وهي أنه تردد أكثر من مرة أنه لن يكون الخيار الأول مباشرة على حساب داني كارباخال.
والأكثر من ذلك، أنه لن يكون حتى من بين اللاعبين الأعلى أجرًا في ريال مدريد، وقد لا يتقاضى أجرًا أكبر مما يتقاضاه في أنفيلد.
يبدو أن ريال مدريد يركز بشكل كبير على سمعة النادي، إذا كان حلم ألكساندر آرنولد حقًا هو الذهاب إلى البرنابيو وارتداء ذلك القميص الشهير وتمثيل ذلك النادي، فهذا شأنه الخاص.
لكن إذا كانت هناك أي دوافع أخرى وراء هذه الخطوة، فمن الجدير بالتفكير مليًا قبل اتخاذ القرار، حتى في هذه المرحلة المتأخرة.
ألكساندر آرنولد هو بالفعل نجم في ليفربول، وعلى وشك أن يصبح واجهة النادي – وهو بالفعل كذلك بالنسبة للجماهير المحلية.
أما في مدريد، هل سيكون حتى على الملصقات الترويجية؟ إنه سؤال يستحق التفكير، خاصة أنه لا يوجد فرق كبير بين حجم الناديين أيضًا.
قد يسلك طريق مبابي
لم يفت الأوان بعد بالنسبة لألكساندر آرنولد للتراجع عن الانتقال إلى مدريد فيكفي أن ينظر إلى مثال كيليان مبابي.
تذكروا عام 2022، كان عقد مبابي ينتهي في باريس سان جيرمان، الذي كان قد تعاقد للتو مع ليونيل ميسي، ومع ذلك، كان النجم الفرنسي في أوج تألقه، وكان انتقاله الوشيك إلى البرنابيو يبدو أمرًا محسومًا في نهاية ذلك الموسم.
لكن ذلك لم يحدث، وغير مبابي رأيه في اللحظات الأخيرة، ووقع عقدًا جديدًا لمدة ثلاث سنوات، واستشاط ريال مدريد غضبًا، واشتعلت الآلة الإعلامية الإسبانية.
حتى أن هناك شائعات ترددت بأن هذا الأمر أغضب النادي لدرجة أنهم لن يفكروا في التعاقد مع مبابي مرة أخرى، لكن اتضح أن الوقت كفيل بتهدئة الغضب.
فرصة ليصبح أسطورة خالدة
سيكون رد الفعل على بقاء مبابي في باريس أقل بكثير من رد الفعل المنتظر في ميرسيسايد إذا قرر ألكساندر آرنولد أن يحذو حذوه.
لا يزال هناك الكثير الذي يمكن الفوز به في ليفربول ولا يجب أن تكون هذه نهاية قصة “الريدز” العظيمة، بل بداية فصل جديد تحت قيادة سلوت.
هل يعتقد حقًا أن الرحيل هو الأفضل لمسيرته وإرثه؟ دعونا لا نتطرق حتى إلى حلم الكرة الذهبية اليوم، فهذا حديث لوقت آخر.
سيُذكر ألكساندر آرنولد كأحد عظماء ليفربول على مر العصور بغض النظر عما سيحدث، لكن بقاءه في أنفيلد هو وحده ما سيرفعه إلى مصاف الخالدين.
